التطورالمخيف الذي شهدته العلاقات الخليجية خلال شهر حزيران/يونيو مؤشر خطير للغاية. انهيثبت الهشاشة للأنظمة العربية عندما تصطدم بطموحات شخصية لقائد او مجموعة قادة.
فلدهشتنا جميعا حوصرت قطر في غمضة عين ومنع عنها الماء و الغذاء، هذه المباغتة السياسية لابد أنها لم تدهش الدول المؤتلفة ضد قطر بل عملت عليه منذ فترة وكانت تنتظر التوقيت الملائم الذي لم يكن بأفضل من زيارة الرئيس لامريكي الظافرة لمنطقة الخليج.
مرحلة ما بعد الأزمة لم تشهد اصطفافا عربيا موحدا ازاء ما يجري وهوأكبر النتائج الكارثية التي أفرزتها هذه الأزمة بفضح زيف الادعاءات الوجودية لمايسمى بالأمة العربية. هذه الأمة التي أريد لها أن توجد ككيان مواز يسهم في دحروابطاء الايديولوجية الإسلامية بالعزف على الأوتار الإثنية لجموع دول العرب التي تم رسم حدودها الغرب. فالقوم يعلمون عظمة النعرات عند أقوامنا فساهموا بتعظيمهاقوميا وقبليا وطائفيا وشربنا نحن المقلب بكل بساطة.
زيادة الخلافات وتعميق الانشقاقات تحت مختلف المسميات هو هدفاستراتيجي لأعداء أمتنا الإسلامية لأن في توحدها قوة لا يحمد عقباها في ناظرهم ،أمة آتاها الله كل شيء ، وسط العالم، الطاقة ،الموارد الاستراتيجية وموارد بشريةهائلة ولكن للأسف ربما حرمنا نعمة العقل بفعل أفاعيلنا.
الأزمةمن خارج الخليج
نظرقادة ما وراء الخليج إلى الأزمة كل من زاويته وفضل أكثرهم الصمت المحايد الذي ظنواأنه لن يؤذي أحدا ويحافظ على المصالح القومية.
لكن هذا التحفظ الذي ابدته جموع الأنظمة الإسلامية و العربية(باستثناء تركيا، المملكة المغربية والكويت) رأته الشعوب العربية جبنا عن الصدحبالحق في زمن نحن أحوج لمن يقول كلمة الحق، خائفا رعديدا ومنزويا.
الاصطفاف مع أحد المعسكريين ليس هو الخيار الأمثل للدول العربيةالصامتة بل كان الأجدى والأجدر أن يتموضع الجميع مع الموقف الشجاع لرجب طيبأردوغان و الملك محمد السادس بتقديم يد العون وعرض المساعدة بالتوسط في حل ينهيهذا الاحتدام الذي لا تجد له جموع الشعوب الإسلامية و العربية مبررا ولوواهيا..فقد تجاوزت تركيا والمملكة المغربية بهذا الموقف الشجاع حسابات المصالحالاقتصادية الضيقة إلى موقف أكبر يعلي من أهمية التوحد في هذا الظرف الدقيق الذييعصف بقلب آمتنا ولا يسعد أحدا.
هل نعاني في منطقتنا من قلة أزمات لنفتعل أخرى جديدة!!! ، حرب ضروسفي سوريا ،اليمن، العراق، الصومال، وليبيا واحتلال يتمطى غرورا في فسلطين والبقية الباقية ترزح تحت نير المعاناة الاقتصادية وأزمات سياسية لا تنتهي.
يجب أن نعلم أن الخليج العربي هو المحرك الاقتصادي للدول وثيرمومتر البناء فيها بما حباه الله من نعم اقتصادية طاقوية وموقع استراتيجيمحسود، ومن ثم أي مؤشرات لعدم الاستقرار في منطقة التوازن الإسلامي هذه يحلم بهاالأعداء ولن يدخروا وسعا لزيادة الشرخ العربي الإسلامي وتمزيق ما تبقى من أمتنا الممزقة في الاصل.
التحدي الأكبر في هذه المرحلة هو لملمة ما تبقى من كرامة المنظمات الإسلامية العربية المعنية بشأن الوحدة وتذويب الخلاف كمنظمة المؤتمر الإسلامي،جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي.
فهذه المؤسسات التي أنشئت لأهداف سامية لحفظ أسوار الأمة من الخلافوالشقاق لم تنبس ببنت شفة في خضم ما يجري ، ويبدو أنها كانت أكثر المتفاجئينالمتضررين مما يحدث ، اذ خمدت مؤسساتها فجأة ولم نعد نسمع ما يفيد بوجود هذهالأجسام على قيد الحياة. ومن الواضح أن البنية المؤسسية لهذه المنظومات نفسها لمتكن بالمناعة والمؤسسية التي تسمح لها التحرك خارج غطاء أنظمتها الوطنية ولم تتمتعبالاستقلالية قط منذ انشائها بل ولم تملك الجرأة أبدا على بناء وحدات طوارئ تتمتعبالحياد ولو نسبيا لمواجهة هكذا أزمات.
لقد أثبتت الأزمة الحالية أن هذه المنظومات البائسة بحاجة إلى اعادةصياغة شاملة تجدد هيكليتها وآلياتها لتلعب دورا فعالا مستقبلا ليس على مستوى الخليج او العالمين الإسلامي و العربي فحسب بل على المستوى الدولي والعالمي كما تفعل التكتلات السياسية الأخرى كالاتحاد الاوروبي لما للدول الإسلامية من ثقلمركزي اقتصادي ديموغرافي واستراتيجي ولكن لم يتم تفعيله على الاطلاق.
فبمقارنة بسيطة بين الكتلة الإسلامية ممثلة بمنظمة التعاون الإسلاميوالاتحاد الاوروبي سنجد الفروق المذهلة التالية :
المسلمون يبلغ تعدادهم مليار وتسعمائة مليون نسمة اجمالا، بينمااجمالي سكان الاتحاد الاوروبي فقط خمسمائة وعشرة ملايين من البشر.
المتوسط العالمي لأعمار المسلمين يقع تحت 23 عاما بينما تغرق القارةالأوروبية في الشيخوخة بمتوسط أعمار 42 عاما وسوف تستمر على هذا المنظور إلى مستوىقياسي بحلول عام 2050 لتستقر عند 53 -55 عاما.
51 في المئة من إمدادات العالم من الطاقة السائلة تأتي من البلدانالإسلامية.
المسلمون يتمركزون استراتيجيا في أهم المضايق البحرية وممرات العالم البرية والبحرية ومع ذلك لا يسيطرون عليها.
هذا بالإضافة إلى ثروات أخرى لا تحصى ولا تعد عرضة دائما للسرقةوالنهب خفية أو بالتواطؤ مع أنظمة عميلة منصوبة سيفا مسلطا على المسلمين تأتمربأمر أعدائهم.
فكل المؤشرات المستترة والظاهرة توضح أن المستقبل كله للمسلمين رغم المآسي الماثلة وبسبب ذلك استحدث أعداء هذه الأمة الذين تنتصب أذهانهم على هذهالأرقام ويحللونها ويعملون على اعاقة المحتم باستحداث سياسات الخراب والدمار في المنطقة والتي تهدف بصورة أساسية إلى تدمير أي صورة من صور التعاون بكل أشكاله بينالدول الإسلامية بزرع الخلافات وتفتيت المفتت ولابأس عندهم من سقوط أكبر عدد ممكنمن القتلى بين المسلمين بأعمال استراتيجية «بأسهم بينهم».
لكن رغم كل هذه الاحباطات القاهرة ، تبقى بعض العوامل الصامدة التي تشكل عامل جذب يمنع التصادمات الكلية بين أبناء الامة ويبذر بذرة أمل في صحوة موحدة تستيقظ فيها ضمائر الغافلين ..لا يمكن بأي الحال النظر إلى أزمة الخليج الحالية خارج هذا الإطار.
ولتجاوز ما يحدث في الخليج ولبناء مستقبل أكثر اشراقا لهذه الأمة يجبأن نعمل على تمتين وتمكين المنظومات السياسية الاستراتيجبة لإصلاح هذه الأجسام المعطوبة لتقوم بدور أكثر نشاطا وحيوية على المستويات الإسلامية والعربية بل وتدافع عن مصالح الأمة على المستوى العالمي في وجود تكتلات ديموغرافية واقتصادية مثل بريكس والاتحاد الاوروبي والنسخة الجديدة الجامحة للولايات المتحدة الأمريكية بقيادة جامع الجزية ترامب. كذلك ولتمثل حصنا مانعا لمنع تكرار التجربة الحصاريةل قطر على أي دولة أخرى من دول المنظومة فالحوار هو أساس حل المشكلات السياسية بين الدول وليست الاشتراطات القهرية.
لكنمن المتضرر الأول من كل ما حدث؟
التماسك الشعبي الإسلامي العربي كان أكثر المتضررين من هذه الأزمة بتوليد الشحناء والعداءبين شعوب الخليج التي كنا نظنها الأكثر توحدا وكذلك بين هذه الشعوب وأنظمتها ذاتهامما يشكل بادرة خطيرة تهدد التماسك الداخلي لدول الخليج هذا التماسك المبني على الطاعة المطلقة لولي الأمر.. تهديد هذا النظام ستضرر منه جميع دول الخليج علىمستوى أنظمتها السياسية في ظل التساؤلات المتنامية عن شرعية الإجراءات المتخذة .
من المستفيد؟
المستفيدمن كل ما يجري هم أعداء الامة الإسلامية الذين لم يخفوا سعادتهم بما يحدث في ظلسياساتهم المطبقة اصلا تجاه المنطقة من قبيل الفوضى الخلاقة و ( الحفاظ عليهم فيحالة مستقرة من عدم الاستقرار). مما يتيح نهب الثروات العربية وضرب الاستقرار فيالدول الإسلامية من خلال الابتزاز السياسي الوقح والاستنزاف الاقتصادي الجريء وغيرالمقنع لدول الخليج وبمحاولة المباعدة بين السداسي الخليجي وتركيا التي قد تكسبهمزخما سياسيا ومناعة مرفوضة من الغرب.
لذلك وبناء على ما تقدم يجب على قادة الدول العربية المختلفة استشعارهذه الأخطار المحدقة بامتنا وتجاوز الخلافات الضيقة بين قادة المنطقة سعيا لتشكيل ائتلاف أوسع يمكن من خلاله تحقيق أهداف هذه الأمة في الاستقرار والرخاء والعزةولمقاومة محاولات الابتزاز الرخيصة التي تنتهجها القوى الكبرى في المنطقة.باستغلال المسائل الخلافية المفتعلة للنفوذ إلى منافع اقتصادية وابتزاز مالي غيرمبرر ولا يمكن تحقيقه اذا انتبه القادة العرب إلى أهمية غلق مسابير التأزيم التيإن بدأت لن تنتهي وسنستمر في دائرة مفرغة ولا متناهية من الخلافات من أجل الاختلافونتناسى الاهداف الوجودية العظيمة التي بعث الله بها هذه الأمة واشترط عليها أداءواجباتها لاشعاع النور على مستوى العالم بدل التبعية العمياء التي لن تورثنا سوىالذل والتبعية ..ودفع الجزية.
كاتبمن الخليج
د.عبدالله عبد الكريم