توفيالشيخ أحمد أبو لبن ليلةالخميس الفاتح منفبراير من عام 2007، وذلك بعد صراع مع مرض مفاجئباغته إثر عودته من رحلة قادته إلى السودان، حاضر في جامعاتها ومنتدياتها وخطب الجمعة في بعض مساجدها والتقى خلالها بالعديد منالشخصيات النّافذةسياسيّا ودينيّا، وقد كان ذلك في خضم معترك أحداثالرسومات المسيئة للنبيّ محمد صلّىالله عليه وسلّم أواخر 2005 م.
والشيخ أحمد أبو لبن رحمه الله تعالى - مع احترامنا وتقديرنا لجهود الجميع - هو منالشخصيات الدعويّة والفكرية والاجتماعيّة والثقافيّة التي واكبت الأحداث وساهمتفي الدعوة والإرشاد وفي توجيه الحياة الاجتماعيّةوالمشاركة في الجوانب السياسيّة والنواحي الثقافيّة بقسط قد لا تبلغه أية شخصيةدعويّة أخرىفي أوروبا كلّها؛ حتىأضحى رحمه الله من أكثرالشخصيات في الدنمارك جذبا للإعلام وتنشيطا لمنابرالساسة.بل لقد كاد يحجب الأضواء عن كثير من السياسيين والفنّانين المشهورين الدّنماركيينأنفسهم.وقد وُصفوبُصم عليه في الإعلام الدنماركي ــ بكاريزما الجدل والإثارة، وصاحب الشخصية القويّةالمميّزة بين تجمّعاتالجاليّة المسلمةفي الدنماركأو في اسكندنافيابأسرها ــبل لقد كانبمثابة عامل إحياء الجاليّة المسلمة التي وجدت شبه مشلولة في هذه الصحراءالجليديّة (اسكندنافيا)... فقد كان رحمه الله يرنو إلى رؤية هذه الجالية كغيرها منالجاليات فاعلة مؤثّرة في المجتمع مساهمة في بنائه مواطنين أفرادها كغيرهم من المواطنينالآخرين، لهم كلمتهم وأوزانهم في المجتمع وفي البرلمان والوزارة... إلى أن جاءتحادثة الرسومات المسيئة للنبيّ محمد صلّىالله عليه وسلّم، والتي أبلى فيها رحمة الله عليه البلاء الحسن تدبيرا وسلوكالحلحلة الأزمة وإنهائها من خلال اقتراحات جدّمهمة وفاعلة لم تصل - مع كل أسف- إلى آذانالساسة،فقد نجحت بعضالأحزاب اليمينية المتطرفة مستعملة وسائل الإعلامالمنحازة في توظيف الحادثة وإذكاء نارها قصد إطالة آمادهاللتأثير على الدّنماركيين واستمالتهم في الانتخاباتالتي تلت الأزمة مباشرة كي يكونوا صفّا فيالدّفاع عن قيمهم المغشوشة مثل حريّة التعبير التي أساؤوا بها التعبير حتّى أفسدواالعلاقات بينهم وبين الكثير من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ ناهيك عنتأثيراتها الميدانيّة الدّاخليّة التي سقت اللاجئين والمهاجرين المسلمين مضايقاةومعاملات لا تليق بالديمقراطيّة ولا بحقوق الإنسان أو حريّة التعبير التي بهاأساؤوا التعبير كما أسلفت.
ولقد كان من بين الحلول التي اقترحها الشيخ رحمه الله تعالى: إقامة مهرجان حول شخصيّة الرّسول صلّى الله عليهوسلّم، تشارك فيه جميع الأطراف، من ساسة وإعلاميين وأكاديميين، تعريفا به صلّىالله عليه وسلّم وردا للاعتبار ودرءًا للمفاسد وتوطيدا للأواصر المجتمعيّة، غيرأنّ ذلك قوبل باللامبالاة المترجمة عن الكبر والاستعلاء المسيئين وتوظيفا للأزمةمن طرف اليمين المتطرّف الحاقد، وإصرارا على الإثم الذي دفع بكلّ الحلول إلى مضيقأفضى فيما بعد إلى المقاطعة غير المرغوب فيها!...
وقدكتب الشيخ رحمه الله كلمات أختم بها هذه المقالة،لعلنا نتذكر بها جهده الجبّاروتفانيه في خدمة الجاليّةالمسلمة في الدنمارك: [إن كان لأزمة الرسوماتمن نتيجة إيجابية، فإنّما كونها دليلعلى أنّ رسالة الإسلام حاضرة ومؤثرة في مشهد الأحداثالعالميّة، وتوحي بأنّهاصامدة على المدى البعيد، فلولا دور الملتزمين من الجاليّةالمغتربة على امتداد القارة الأوروبيّة لما اهتمالإعلام الغربي سابقًا كما اهتمت صحيفة اليولاند بوسطن مؤخرًا بالتعرّضلقضايا الإسلام إمّا مدحًا أو قدحًا.ويحتدم الجدل حول مدى التأثير الإسلامي وتتباين التقديرات بين التهويل والتهوين،يستوي في ذلك التقويم دعاة الإسلام وأعداؤه فكلا الفريقين بشر تؤثر فيه العواطف،ولكل فريق أهدافه ومنطلقاته وحساباته.
ولكنأوروبا تواجه نفس المعضلة التي يواجهها المسلمون وأمامها شوط معتبر من التفكيرالمتأنّي لحلّهذه المعضلة، فكما أنّ للمسلمين "مدخلافقهيا" يفرّقبين الغرب كقوة غازية تحاول بلوغ مراميها على أرضهم ومن خلال ثرواتهم وبين الغربكدول يُفترض احتضانها للمغتربين بشكل قانونيّ،فكذلك أوروبا عليها أن توقن بأنّ"شراذمالوافدين المرهقين" ليسوا غزاة خطرين!انتهىكلامه.
وقد شُيّع جثمانُه الطاهر رحمهالله يوم الجمعة، الثاني من فبراير 2007 م، في موكب جنائزي مهيب،ليوارى الثرى في المقبرةالإسلامية التي كانت من بين ثمرات جهده وباكورة أعماله...
رحمالله الشيخ أحمد أبا لبن، وأسكنه فسيح جنّاته مع النبيين والصّدّيقين والشهداءوالصّالحين، وحسن أولئك رفيقا، وبارك في ذرّيتهوعلمه وعمله.
كتبه، محمد هرار